فضاء حر

لا زلت أتذكر

يمنات

خرجت ذات يوم لأودع أوجاع ومآسي التخلف والقهر ورواسب الديكتاتورية إلى غير رجعة.. وفي صبح يوم جميل دخلت ساحة التغيير بصنعاء ،لأشتم رائحة الحرية، قبل أن تتحول هذه الساحة إلى سجن صغير، تصادر فيها أحلام الأحرار، كما صودر الوطن وتحول إلى سجن كبير تكبله نزعات قوى تقليدية متخلفة، وفي هذه الساحة رأيت يمناً جديداً، رأيت أناساً مدنيين، وشعرت بالأمان، رغم أنه في تلك الأوقات وفي هذا المكان كان يحاصره الموت من كل اتجاه، وهناك شاهدت من يقتسم قطعة الخبز مع رفيق آخر له لا يعرفه من قبل، وهذا الرفيق يقتسم النصف الآخر مع شخص ثالث، وهكذا حتى أن قطعة الخبز الواحدة تقسم لأربعة، وشاهدت هذا الشاب الذي تظهر عليه معاناة الريف وأتعابه وكما لو أنه من الجوف أو مأرب أو صعدة، وربما من خولان، وهو يقوم بغسل (نبات القات)، وعند تجفيفه لها تطايرت وريقات من كيسه إلى الأرض (طريق الأسفلت)، فنظر باتجاهي محرجاً وعلى وجهه يبدو مظاهر الخجل والإرباك، وكما لو أنه عمل كارثة، فقال لي: أنا آسف!!! وجلس على الأرض يجمع الأوراق ورجم بها إلى برميل القمامة، وهناك رأيت أخي الذي كان يشتط غضباً في المنزل عندما نطلب منه ترتيب ملابسه، أو رفع بطانيته من على الفرش، رأيته وبيده مكنس يقوم بتنظيف محيط الخيمة ويدفع بالمياه الناتجة عن الأمطار باتجاه فتحة المجاري، كل هذه المناظر لازلت أتذكرها وأتذكر معها المراحل المتدرجة لانتكاس حلمنا، لا زلت أتذكر نصيحة المناضل الحر الدكتور محمد محسن الظاهري عندما التقيت به في الساحة، وبجانبي من أولادي أصيل وجارالله ،حيث قال لي: أمانة عليك لا تأتي بهما ثانية إلى الساحة فنحن نبذل التضحية بأرواحنا من أجل مستقبل هؤلاء فدعهم في البيت أو سافر بهم البلاد… والآن أفكر بنصيحة الدكتور الظاهري وأتساءل هل هذا الوضع يتناسب مع مستقبل الأولاد؟

 

وعندما نرى الواقع المحيط بنا نجده واقعاً مؤلماً لا يناسبنا ولا نتمناه لمستقبل أبنائنا، فالأوضاع كما هي لم يتغير شيء فيها وإنما ازدادت سوءًا، فذاك المسؤول يوظف مقربيه، والآخر يسفر أولاده للدراسة بالخارج بينما المستحق محروم، وهذا يهبر وذاك العسكري يوجه بتوظيف عدد ممن لا يحملون مؤهلات بوزارة الخارجية، وحكومة تصرف أكثر من30مليون ريال في احتفال قد مر موعده، بينما أيديهم ممدودة للشحت من دول الجوار والدول الصديقة…

وأنا هنا لازلت أتذكر كيف كانت الساحات وأين أصبحت؟! وكيف سيطرت الكراهية على نفوس الثوار لتصبح الساحات، ساحات للصراع، بدلاً من أن تكون ساحات لتصحيح الاعوجاج الذي تعرضت له المسيرة الثورية..

وأتأمل لساحة جامعة علمية تنتشر فيها المظاهر العسكرية وتسيطر عليها أدوات الموت، ولا يستطيع هذا الدكتور الثائر الذي خرج لطلب الحرية أن يصحح وضعها ويخرج العسكر منها، ولولا أن علامة الثورة وجراحها مازالت على يده، وإلا لكان من ضمن الثوار الحاصلين على تهم العمالة والحوثية والمحسوبين على بقايا النظام.

زر الذهاب إلى الأعلى